لهذه الأسباب يتحالف الغرب مع الأحزاب الإسلامية
لأمريكا الحكم من قبل ومن بعد ... إلا في الجزائر
العجب كل العجب من أن أمريكا تدعم التيارات الإسلامية في البلدان العربية سواء تلك التي اكتسحها طوفان الربيع العربي أو تلك التي حافظت على استقرارها، والخوف كل الخوف من دوافع هذه العاطفة الهجينة التي تولدت هكذا دونما سابق إنذار فأفضت إلى شهر عسل مجهولة أسراره وتكاليفه.
لن نعود للكتابة التاريخية لنذكر بالحروب الصليبية التي كانت تستهدف الإسلام والمسلمين كما لن نطيل السرد الإنشائي للقول بأن النصارى واليهود لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم، فهذه من المسلمات والكبير والصغير والجاهل والعارف كلهم يدركونها، ومن هنا يكمن العجب الذي يبطل إذا عرف فيه السبب، فأمريكا صارت منذ شهور تقريبا تعضد وتساند الأحزاب الإسلامية في تونس ومصر وليبيا وحتى في المغرب، حيث أبدى الإمبرياليون الغربيون بقيادة الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي استعدادا كبيرا للتحالف مع من وصفوهم بالإسلاميين المعتدلين بمختلف قاداتهم وأنظمتهم، ليتحول الغرب بين عشية وضحاها من حام ومدافع عن أنظمة بن علي والقذافي ومبارك إلى أول داعم للثورات ضدهم، كما تحول بين عشية وضحاها الليبي عبد الحكيم بلحاج من عدو خطير لأمريكا إلى صديق وحليف استراتيجي لها وللحلف الأطلسي، حيث وبعد أن اعترف سابقا بأنه كان أميرا للجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة التي كانت تصنفها أمريكا كجماعة إرهابية موالية لتنظيم القاعدة هاهو يطل علينا اليوم لينفي أن لديه أجندة إسلامية وليقول أنه ليس حاقدا على كل ما فعلته به الولايات المتحدة سابقا من سجن وتعذيب.
الإمبرياليون الغربيون سعوا جاهدين لتشويه صورة الإسلام بالإرهاب والعنف والتطرف لكنهم يئسوا وأدركوا أنهم لن يخترقوا المسلمين إلا من خلال أبنائهم ومن خلال دينهم بحد ذاته، فساعدوا الأحزاب الإسلامية على اعتلاء السلطة في لعبة حيكت خيوطها بعناية وتركيز، وكان أول ما نطقت به هذه الأحزاب بعد فوزها هو تقديم كل التطمينات والضمانات لأمريكا بأنها ستبقى ترعى مصالحها ومصالح الغربيين وأنها مستعدة للحوار مع إسرائيل، وهو ما يؤكد أن البيت الأبيض يعتبر هؤلاء الإسلاميين الخلفاء الأنسب للأنظمة السابقة وأنه ضامن بقاء مصالحه سالمة ومستمرة، حيث نجح في تحويل هذه التيارات الدينية وفق ما يخدم أهدافه ووفق قاعدة: لأمريكا الحكم من قبل ومن بعد.
عندنا في الجزائر يعزف الإسلاميون على نفس الوتر الذي عزف عليه نظرائهم في مصر وتونس والمغرب، وبالأمس الأول دعت الأحزاب الإسلامية المعتمدة وغير المعتمدة بعد، إلى التحالف قبل التشريعيات القادمة لتسجيل فوز حنيد، وها هو بوقرة الذي حول إسمه لأبو جرة يرمي عباءة السلطة ويطلّق التحالف الرئاسي طلاقا بائنا وهو أصلا كان تواجده فيه بلا وزن وبلا معنى تقريبا، ليعلن انضمامه للمعارضة، وجاء بدم كذب على قميص التحالف ليبرر انسحابه منه طمعا في استمالة عواطف الوعاء الإنتخابي الإسلامي، ولكن هيهات هيهات لمن يتبجح بالدين في جزائر 2012 أن ينخدع له الجزائريون الذين حفظوا الدرس منذ عقدين من الزمن والذين يستحيل أن يلدغوا من الجحر مرة ثانية، فأمريكا التي تذل من تشاء وتعز من تشاء وترفع من تحب وتهين من تكره لن تجد مساحات للعب في الجزائر ولن يكون لعرابيها أروقة يمرون فيها.
بقلم: سلطانة محمد عبد الجليل