السودان الكبير يعدّ آخر ساعاته بإجراء الإستفتاء على من الدور؟

تتجه أنظار العالم العربي والإسلامي إلى السودان أين سيتم الإستفتاء بشأن انفصال الجنوب عن الشمال وهو ما سيؤدي في حالة حدوثه إلى ولادة أحدث دول العالم وتغيير وجه إفريقيا مرة أخرى، وتشير جميع المعطيات وكل التوقعات إلى تصويت غالبية الجنوبيين لمصلحة الإستقلال عن الوطن الأم.
وبالعودة إلى كرونولوجيا تتابع الأحداث منذ انطلاق الحرب الأهلية بالبلد سنة ١٩٨٣ وصولا إلى معاهدة السلام سنة ٢٠٠٥ التي أوقفت الحرب مقابل الذهاب إلى استفتاء بشأن الإنفصال، لا بد من الحديث عن الدور الكبير لليد الطولى الأمريكية والصهيونية في تقسيم السودان وتقزيمه جغرافيا وسياسيا واقتصاديا، فجنوب السودان يمثل قاعدة متينة للديانة المسيحية وبالمرة حاجزا يمنع الديانة الإسلامية من الإنتشار نحو أعماق إفريقيا، ولأن أمريكا هي الراعي الرسمي للمصالح الإسرائيلية واليهودية في العالم فإنه من الطبيعي أن يحرص أوباما حرصا شديدا على إجراء الإستفتاء في وقته وفي كل الظروف المريحة خاصة إذا كانت كل الأرضيات مهيأة لتكون نتيجة التصويت في صالح الإنفصال.
وكان مسؤول الإعلام في حكومة الجنوب قد صرح مرارا أن الدولة الجنوبية الجديدة مستعدة لإقامة علاقات مع جميع دول العالم بدون استثناء بما في ذلك التطبيع مع إسرائيل، وهو ما سيسمح للكيان الصهيوني بتعزيز حضوره إفريقيا من خلال التواجد في منطقة الجنوب ومن ثمة محاصرة الدول العربية في غرب إفريقيا وكذا إيجاد موطئ قدم في البحر الأحمر، كما سيمكنه هذا التواجد من إضعاف موقف الحكومة الشمالية المؤيد للقضية الفلسطينية، والأهم من كل هذا هو أن التغلغل الإسرائيلي في جنوب السودان سيكون كفيلا بوضع حد للمد الإيراني الذي زادت كثافته في القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة بشكل أربك الدولة الصهيونية وحليفتها أمريكا ومن ورائهما الكتلة الأوروبية المنافقة دائما.
هذه النظريات والإستراتيجية الإسرائيلية قد تكون خاطئة وقد تقود أوباما لموقف لا يحسد عليه وقد تورطه مثلما ورّطه بوش في أفغانستان، لأن جنوب السودان وسكانه يعانون نقصا هائلا في الغذاء والماء والرعاية والصرف الصحيان، وإذا ما تم انفصاله فإن جنوبيي الشمال سينزحون جماعيا وبشكل هائل مما سيؤدي إلى الصراع والإقتتال من أجل لقمة العيش وبالتالي تصاعد العنف السياسي وعودة الصراعات العرقية ما يعني أن الجنوب سيصبح دولة غيرة مستقرة وغير آمنة وستمزقه الحروب الأهلية مجددا، وحتما سيكون أوباما هو المسؤول الأول عن هذا الوضع لأنه هو من دعم خيار الإستفتاء والإنفصال.
من جانب مواز فإن تغيير الحدود الموروثة عن الحقبة الإستعمارية سيشكل دافعا مغريا لعدة حركات تحررية في إفريقيا للمطالبة بالإنفصال عن دولها الأم على غرار منطقة كابيندا البترولية بأنغولا وكذا طوارق مالي والنيجر.
ولعل الرئيس السوداني عمر البشير وجد نفسه وحيدا في مواجهة التيار الداعي للإنفصال حيث لطالما دعا إلى الوحدة لكن تخاذل الدول العربية ومن ورائها الجامعة العربية جعله يغرد وحيدا خارج السرب، وصار هو الآخر مكرها يرحب بالإستفتاء رغم أنه وصل في وقت سابق إلى حد التنازل عن حصة الشمال من البترول لفائدة الجنوب مقابل الوحدة.
ما هو ثابت وأكيد هو أن أمريكا التي تريد تقسيم جميع الدول العربية والإسلامية إلى دويلات ستوجه نظرها بعد الإنتهاء من عمليتها القذرة في السودان إلى من هم أكبر مساحة وأغنى بالثروات، والدور سيكون على الجزائر وليبيا وموريطانيا في المقام الأول ودون أدنى شك سيتم اللعب على الأوتار الحساسة في مقدمتها قيام دولة التوارق إضافة إلى تقوية شوكة الحركات البربرية المطالبة بالحكم الذاتي في بلدان المغرب العربي، والأكيد الآن أنكم قد فهمتهم لماذا وجد فرحات مهني من يحتضنه في فرنسا ليعلن عن تأسيس حكومة قبائلية مؤقتة.
سلطانة محمد عبد الجليل