يقول الشاعر العراقي معروف الرصافي:
كفى بالعلم في الظلمات نورا***يُبيّن في الحياة لنا الأمورا
فكم وجد الذليل به اعتزازاً***وكم لبِس الحزين به سرورا
تزيد به العقول هدىً ورشدا***وتَستعلي النفوس به شعورا
إذا ما عَقّ موطنَهم أناسٌ***ولم يَبنوا به للعلم دورا
فإن ثيابهم أكفان موتى***وليس بُيوتهم إلاّ قبورا
وحُقَّ لمثلهم في العيش ضنك***وأن يدعوا بدنياهم ثُبورا
أرى لبّ العلا أدباً وعلماً***بغيرهما العلا أمست قشورا
أأبناء المدارس إنّ نفسي***تؤمّل فيكم الأمل الكبيرا
فسَقياً للمدارس من رياض***لنا قد أنبتت منكم زهورا
ستكتسب البلاد بكم عُلُوّاً***إذا وجدت لها منكم نصيرا
فإن دجت الخطوب بجانبيها***طلعتم في دُجُنَّتها بُدورا
وأصبحتم بها للعزّ حِصناً***وكنتم حولها للمجد سورا
إذا ارتوت البلاد بفيض علم***فعَاجزُ أهلها يُمسى قديرا
ويَقوَى من يكون بها ضعيفاً***ويَغنَى من يعيش بها فقيرا
ولكن ليس مُنتَفِعاً بعلم***فتىً لم يُحرِزِ الخُلُق النَّضيرا
فإنَّ عماد بيتِ المجدِ خُلْقٌ***حَكى في أنفِ ناشفِه العبيرا
فلا تَستنفِعوا التعليِم إلاّ***إذا هذّبتم الطبع الشَرِيرا
إذا ما العلم لابَس حُسنَ خُلْق***فَرَجِّ لأهله خيراً كثيرا
وما أنْ فاز أغزرنا علوماً***ولكن فاز أسلمنا ضميرا
أأبناء المدارس هل مُصِيخٌ***إلى من تسألون به خبيرا
ألا هل تسمعون فإن عندي***حديثاً عن مواطنكم خطيرا
ورأياً في تعاوُنكم صواباً***وقلباً من تخاذُلكم كسيرا
قد انقلب الزمان بنا فأمست***بُغاثُ القوم تحتقر النُسورا
وساء تقلُّب الأيام حتى***حمِدنا من زعازعها الدَبورا
وكم من فأرة عمياءَ أمست***تـُسمّى عندنا أسداً هَصُورا
فكيف نروم في الأوطان عزّاً***وقد ساءت بساكنها مصيرا
ولم يك بعـضُنا فيها لبعض***على ما نَابَ من خطب ظهيرا
ألسنا الناظمين عقودَ مجْد***نَزِينُ من العصورِ بها النـُّحورا
إذا لُجَجُ الخطوب طَمَت بَنَينَا***عليها منْ عزائمنا جُسُورا
لِنَبْتَدرِ العبورَ إلى المعالي***بحيث نطاول الشِعر العَبورا
ألا يا ابني إني أشكو***وفيك أُمارس الدهر المَكـُورا
تـَنفَّضْ منْ غُبار الجهل وأهرَعْ***إلى تلك المدارسِ مُستجيرا
فهنّ أمان من خشيَ الليالي***وهنّ ضمان مَن طلب الظـُهُورا